الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتكِ هو:
1- بينكِ وبين زوجكِ مشاكل واختلافات، أفصحتِ عن جزءٍ منها، وعن أسبابها، وأخفيتِ البعض الآخر وأسبابه.
2- لحظتِ عليه بعض الطقوس الغريبة والبدع الصوفية.
3- أنتِ تقيمين في تركيا، وهو يقيم في قطر، ولم توضِّحي أسباب ذلك بالتفصيل.
4- يحاول إعادتكم إلى قطر من أجل تعليم الأبناء، وأنتِ متخوِّفة من عودة المشاكل بينكما، ومن تأثُّر الأولاد بمعتقداته وبِدَعِهِ التي لم توضِّحيها بالتفصيل، وهل هي بدع مُكفِّرة أم دون ذلك.
5- من العجيب جدًّا إصراركِ على استمرار البعد عن زوجكِ، والإقامة في تركيا؛ لعلكِ تحصلين على **ية التركية، وهنا وراء الأَكَمَةِ ما وراءها من أمور خطيرة جدًّا، ومجهولة لنا، ومعرفتها ضرورية.
6- تقولين: إنكِ بين أمرين أحلاهما مُرٌّ؛ وهما:
أ- الرجوع إلى قطر من أجل تعليم الأبناء.
ب- الاستمرار في البعد عن زوجكِ؛ لأنكِ لا تضمنين تركه لعقائده الباطلة، وأخلاقه السيئة.
6- تقولين: إنكِ حاولتِ إقناعه بالعلاج، العلاج من أي شيء؟ وحاولت كذلك تحكيم مختصين بينكما، فلم يقبل شيئًا من ذلك.
7- مما يزيد من تعقيد فَهمِ مشكلتكما، ويصعِّب حلَّها، الأمور الآتية:
أ- الغموض في ذكر بعض تفاصيل المشاكل وأسبابها.
ب- غموض يكتنف ما عبَّرتِ عنه بالعقائد الباطلة.
ج- أن ما بينكما خلافات بين طرفين، كلٌّ منهما يدَّعي أنه على الحق، والناظر في سطوركِ لا يمكنه معرفة الحقيقة كاملة غير مستورة، إلا بالسماع من زوجكِ والحوار معه.
وبالرغم من صعوبة النظر والحل لمشكلتكم للحيثيات السابقة، فإني أقول ومن الله التوفيق:
أولًا: ما بينكما خلافاتٌ بين اثنين متخاصمين، وفي مثل مشكلتكما لا بد للمستشار الأسري أن يسمع ما عند الطرف الثاني؛ حتى تتضح له الصورة أكثر، ويتمكن من إسداء نصائحه للطرفين، فإن لم يمكن ذلك، فلا بد من معرفة طبيعة المشاكل التي بينكما، أو تفاصيلها باختصار، وما هي أسبابها حتى يتسنَّى وضعُ اليد على الجرح، ووصف الدواء المناسب له، ولكن بالرغم من الغموض الذي يكتنف رسالتكِ، أقول: عليكِ بالحلول الآتية:
أولًا: عليكِ بأعظم العلاجات وأقواها أثرًا على الإطلاق؛ وهي:
أ- الدعاء بإلحاح وصدق وإخلاص، مع اليقين التام بقدرة الله سبحانه على تفريج الكرب؛ لأن الله سبحانه قال: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
ب- الإكثار من التوبة والاستغفار؛ فقد جعل الله الاستغفارَ سببًا لتفريج الكرب؛ في قوله سبحانه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12].
ولأننا نُبتلى أحيانًا بالمصائب بسبب ذنوبنا؛ كما قال عز وجل: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].
ج- الاسترجاع؛ فهو مشروع عند حصول أي مصيبة كبيرة أو صغيرة، وليس عند مصيبة موت القريب فقط؛ كما قال عز وجل: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].
وللاسترجاع آثار عجيبة في كشف الكرب؛ كما في الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره الله: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156]، اللهم أجِرْني في مصيبتي، وأخْلِف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها، قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أولِ بيتٍ هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛ [مسلم].
د- الصدقة ولو بالقليل، فلها شأن في استجابة الدعاء وتفريج الكرب.
ثانيًا: لا تزكِّ نفسكِ، وتضعي اللوم كله على زوجكِ، فتفقَّدي نفسكِ، وحاسبيها؛ فقد تكونين وقعتِ في أخطاء شنيعة سبَّبت النفرة بينكما، أو لم تحسني التعامل مع أخطاء زوجكِ، أو تعاملتِ معه بسوء الظن أو بالندية، فكرِهكِ وعاملكِ بالمثل وثار لرجولته.
ثالثًا: لم توضِّحي ماهية العقائد الباطلة التي اتهمت زوجكِ بها، هل هي عقائد مكفِّرة أم بدع أم مجرد اختلافات في وجهات النظر؟ وهل ثبتت لكِ بالفعل أم مجرد توهمات منكِ؟ وهل تمت مناصحته عنها بالدليل والحكمة ثم أصر عليها؟
فالحكم عليه مترتب على إجابات هذه التساؤلات، مع النقاش المباشر معه من قِبل المستشار الأسري.
رابعًا: إذا كنتِ تكرهينه كرهًا عظيمًا إلى درجة تفضيلكِ البقاء في بلدة أخرى بعيدة عنه، وقد ثبت لكِ حقًّا اعتناقُه لعقائد شركية أو بدعية، فما الذي جعلكِ تبقين في عصمته، هل هو الحاجة لإنفاقه عليكِ، أو هو خشية أن يأخذ منكِ أولادكِ؟ وعمومًا أيًّا كان سبب بقائكِ، فإن كانت أخطاؤه لا تصل حدَّ الشركِ ولا حد الفسوق الذي تخشَين معه على دينكِ ودين أولادكِ، فإن بُعْدَكِ عنه قد يُعَدُّ نشوزًا، له أحكامه المعروفة، وإن كان السبب وجود شيء مما أشرت إليه، فالحكم هنا للقاضي الذي يسمع من كل منكما.
خامسًا: لا تيأسي ووسِّطي عقلاء من عائلته وعائلتكِ؛ للإصلاح بينكما ولمناصحته.
سادسًا: ما دام اعترف بأخطائه، فأرى أن تحسني الظن به، وأن تكوني عونًا له على استصلاح نفسه، ولا تتركيه فريسةً للهوى والشيطان، ولجلساء السوء، وبإمكانكِ أخْذُ تعهداتٍ عليه بالتوبة مما أسميتِه عقائدَ باطلة، وبدعًا صوفية، وسوء أخلاق، ويشهد على تعهداته شهودٌ من أقاربه ومن أقاربكِ.
حفظكِ الله، وأرشدكما للحق، وأعاذكما من نزغات الشياطين.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.